أنشطة المنتدى

نتائج أولية لتقرير الحالة الدينية وحرية الضمير في تونس

بالشراكة بين منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية والمعهد العربي لحقوق الإنسان والمرصد الوطني للشباب، تم الشروع في برنامج دراسي وتعريفي مجتمعي حول الفصل السادس من الدستور التونسي والمتعلق بحرية الضمير واحترام المقدسات.

واضافة الى ما يتضمنه هذا المشروع الحواري الوطني من محطات يزمع الشركاء الثلاث عقدها خلال الاشهر القليلة القادمة (منها عقد حوارات مجتمعية جهوية ومجموعات بؤرية انتهاء بعرض نتائج التقرير النهائي في ندوة وطنية)، بشمل المشروع تقريرا جاء في شكل دراسة مسحية شملت عينة تتكون من 1200 مستجوب من مختلف الأوساط الاجتماعية. تم انجاز هذه الدراسة خلال شهر مارس 2015 وقد جاءت بنتائج أولية شديدة التركيب تتعلق بدرجة التسامح والاحترام داخل المجتمع التونسي اليوم.

الدين وحرية الضمير: ثنائي شديد التعقيد

لقد دشن مسار الانتقال نحو الديمقراطية في تونس مرحلة جديدة من الجدل حول الدين والحريات وذلك بمناسبة كتابة الدستور الجديد، خصوصا فصله الأول المتعلق بهوية المجتمع والدولة وفصله السادس المتعلق بالمقدسات وحرية الضمير. واليوم، وقد أفضت النقاشات إلى توافقات لم تكن سهلة، فإنه من المهم أن نعرف إلى أي مدى يستبطن التونسيون ثقافة الحرية وخاصة حرية الضمير والتي تمثل أحد الإشكالات الرئيسية عندما يهم الامر الشأن الديني ويتعلق الامر ببلاد شهدت خلال فترة قصيرة تعاقب سياسات متعارضة بالكامل في إدارة هذا الشأن الديني. هذا هو موضوع الدراسة المنجزة والتقرير الذي نسعى للخروج به.

ونحن ندرك اننا نتعامل هنا مع مفاهيم لا تخلو من الغموض أو على الأقل تعدد الدلالات. فإذا كانت المقدسات قابلة لتعريف متفق عليه، كأن نقول انها ما تجلّه المجتمعات أو الجماعات وتحرم انتهاكه، فماذا بالنسبة لحرية الضمير؟ من الممكن أن نعرفها بشكل موسع كالقول انها تشمل حرية اعتناق أفكار وفلسفات وايديولوجيات وعقائد دينية وحرية المجاهرة بها وأيضا حرية التخلي عنها والانسلاخ منها وهو تعريف يطرح ولا شك إشكالات عديدة. ولكن بوسعنا أيضا ان نقترح تعريفا اجرائيا يبتغي النجاعة العملية وهو ما قمنا به عندما ربطنا حرية الضمير بحرية الاعتقاد وحرية تغيير العقيدة.

لقد جاءت هذه الدراسة الاستطلاعية لتبين انه، إلى جانب ما نفترض انه من مظاهر الاستمرارية في التصورات والسلوكات الدينية، هناك تغيرات والعديد منها في غاية الأهمية. ثمة لدى التونسيين مواقف واتجاهات متناقضة ما بين الانفتاح والانغلاق، بين المرونة والتشدد، وهناك بحث عن الحلول الوسطى أو التوفيقية، وهناك أيضا مفارقات ومفاجآت.
لنعرض بصورة انتقائية الى بعض النتائج ذات الدلالة ونعلق عليها باختصار في انتظار استكمال انجاز التقرير الشامل عن الحالة الدينية.

1- حول المفهوم لدى الراي العام:
تفيد النتائج بأن التونسيين ميالون أكثر الى مبدا احترام عقائد الآخرين (39%) وكذلك مبدأ حرية الاعتقاد (33%) منهم الى حرية تغير العقيدة (28%). ومحدودية تسامحهم هذه إزاء حرية تغيير العقيدة تتأكد عندما يجيبون على أسئلة تهم الانتماء للمذهب الشيعي أو اعتناق المسيحية أو البهائية فهناك أقل من 54% يعارضون انتماء تونسي الى المذهب الشيعي مقابل 46% يرون في ذلك أمرا عاديا أو حرية شخصية. ولكن الطابع النسبي للرفض يتحول الى رفض شديد وبنسبة عالية (88%) عندما يطرح السؤال حول تحول التونسي السني الى شيعي. هنا تستيقظ الهويات الطائفية والنعرات القديمة، وما يمكن ان يعد حرية شخصية لا اعتراض عليها يتحول الى خطر على كيان الجماعة. ويشكل الموقف من الديانات غير الإسلامية اختبارا آخر لاشتغال كل من آليات الاستمرارية ورياح التغير الديني حيث ان 91% من التونسيين يقبلون بالدعوة للإسلام في بلدان غير مسلمة ومنها المسيحية ولكن نفس النسبة ترفض قيام مبشرين بالدعوة للمسيحية في بلادنا. كما أن (93%) يرفضون تحول التونسي المسلم الى المسيحية (وبنسبة 95% الى البهائية). موقف تقليدي؟ نعم، ولكن ماذا نقول عن نسبة (9%) القابلين بالنشاط التبشيري ونحوهم من القابلين بانتقال التونسي المسلم لهذه الديانات؟ وكيف نفسر هذا الموقف الذي يعده الفقه ردة ومناضلو حقوق الانسان ممارسة لحرية الضمير؟

2- الموقف من مقدسات الغير:
ان التونسيين وان رفضوا في اغلبهم التحول الى مذاهب او ديانات أخرى فهم حريصون على احترام مقدسات الغير، ولئن كانت حماية الدولة ورعايتها للمقدسات تعني بالنسبة ل 52% منهم المقدسات الإسلامية فإن البقية وهي ليست بعيدة عن النصف تعتبر حماية مقدسات الديانات الأخرى من أولويات الدولة.

3- علاقة التونسيين بالتدين:
يعتبر 73% من التونسيين أنفسهم متدينين علما بأن 58.8%فقط منهم يؤدون الصلاة بشكل يومي، وبالمقابل يقر 5/1(19.6%) من بينهم بانهم ضعاف التدين و 7% بأنهم غير متدينين ( و هذه العبارة لا تعني بالضرورة بأنهم غير مؤمنين وذلك أن 5/4 من هذه الفئة الأخيرة يؤمنون بالإله و لكنهم قليلو الثقة في الأديان).

4- حول الهيئة والزي:
هل يفرض الدين مظهرا خارجيا على كل من الرجل والمرأة؟ في الإجابات عن هذا السؤال نلمس مفعول التحولات التي طالت الثقافة ونمط المجتمع المرغوب فيه بفعل سياسة التحديث والإصلاحات. لقد أجاب ¾ التونسيين بأن الدين لا يفرض مظهرا خارجيا على الرجل وهذا يعني تباينا مع الشكلانيةفي ممارسة الدين، اما البقية فحصرت الهيئة المطلوبة في اللحية و لم يذكر القميص كزي مطلوب دينيا (واجب) الا 3 %. وهذا ذو دلالة. و لكن ما يثير الاهتمام اكثر هو ما يتعلق بالمرأة: 83% اعتبروا ان الدين يفرض هيئة و مظهرا معينين عليها و لكن النصف فقط منهم)49.3%) ربط هذا المظهر بالحجاب فيما رأى 45.2% ان الإسلام يكتفي للمرأة بلباس محتشم. هناك اذن انفتاح واعتدال وهناك أيضا وعي لدى 77% بأن الحجاب لا يعني بالضرورة التدين، وإقرار 51% بأنه يحق للمرأة أن تكون متدينة بدون حجاب.

5- في مجال العلاقة بالتشريعات والقوانين:
بصدد النقطة المتعلقة بالزواج المختلط، ثمة مفارقات بل مفاجآت. معروف ان ” الشرع يبيح زواج المسلم من غير المسلمة وان الزواج المختلط من هذا النوع ليس جديدا على التونسيين. ومع ذلك فان نحو 40 % يرفضونه او لا يقبلون به الا في حالات استثنائية. بالمقابل وفيما يخص زواج التونسية المسلمة بغير المسلم والذي يحرمه الشرع، فان نحو 37 % يقبلونه او يعتبرونه موضوع حرية شخصية يضاف إليهم 7.5% يقبلون به في حالات استثنائية. هناك تغير كبير في العقليات وتحرر من الإكراهات الفقهية. بما ان زيجات كانت مرفوضة قبلت بها بناتنا لمصلحة فيها. كما قبل بها 4/10 من التونسيين ولو على مضض حتى لا يخسروا بناتهم وأخواتهم.

  • الدعوة للمساواة في الإرث تبقى غير شعبية ومرفوضة من قبل ثلثي المستجوبين (66%) مع ترحيب أكثر بها لدى النساء.
  • وفي خصوص الصيغ المختلفة من الزواج يرفض التونسيون كلا من المعاشرة الحرة والزواج العرفي وزواج المتعة بنسب تتراوح بين 85 %و90%.

6- حول السلوك في فضاءات العبادة:

  • بخصوص ما حصل بعد الثورة من إنزال الائمة من المنابر وتعويضهم بغيرهم سجلنا رفض 73% لهذه الممارسة وموقف لامبالاة لدى 10%وتبريرا لها بصورة أو بأخرى لدى البقية.
  • وفيما يهم سلطة تعيين الائمة تذهب اقلية ضئيلة الى تكليف وزارة الداخلية بالأمر، ويقترح لذلك المجلس الإسلامي الأعلى 6.1 %، وتنقسم الأغلبية الباقية أي نحو 90% الى ثلثين يرون تعهد وزارة الشؤون الدينية بذلك وحوالي 30% يوكلون الامر الى الأهالي.

  

2019-09-28T02:14:05+03:00